كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قال ابن حجر: إن أحدهما جيد. والآخر حسن، ثم قال ابن حجر: قال الإسماعليي: كان عند عائشة من الفهم والذكاء وكثرة الرواية والغوص على غوامض العلم، ما لا مزيد عليه، لكن لا سبيل إلى رد رواية الثقة إلا بنص مثله يدل على نسخه أو تخصيصه، أو استحالته. انتهى محل الغرض من كلام ابن حجر.
قال ابن القيم في أول كتاب الروح: المسألة الأولى: وهي هل تعرف الأموات زيارة الأحياء وسلامهم أم لا؟ قال ابن عبد البر: ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال «ما من مسلم يمر على قبر أخيه كان يعرفه في الدنيا فيسلم عليه إلا رد عليه روحه حتى يرد عليه السلام» فهذا نص في أنه يعرفه بعينه، ويرد عليه السلام.
وفي الصحيحين عنه صلى الله عليه وسلم من وجوه متعددة أنه أمر بقتلى بدر، فألقوا في قليب ثم جاء وقف عليهم وناداهم بأسمائهم «يا فلان بن فلان ويا فلان بن فلان، هل وجدتم ما وعدكم ربكم حقاٌ فإني وجدت ما وعدني ربي حقًا» فقال له عمر: يا رسول الله: ما تخاطب من أقوام قد جيفوا، فقال: «والذي بعثني بالحق ما أنتم بأسمع لما أقول منهم ولكنهم لا يستطيعون جوابًا» وثبت عنه صلى الله عليه وسلم: أن الميت يسمع قرع نعال المشيعين له إذا انصرفوا عنه، وقد شرع النبي صلى الله عليه وسلم لأمته إذا سلموا على أهل القبور، أن يسلموا عليهم سلام من يخاطبونه فيقول:
«السلام عليكم دار قوم مؤمنين» وهذا خطاب لمن يسمع ويعقل، ولولا ذلك لكان هذا الخطاب بمنزلة خطاب المعدوم والجماد، والسلف مجمعون على هذا، وقد تواترت الآثار عنهم أن الميت يعرف زيارة الحي له، ويستبشر له: قال أبو بكر عبد الله بن محمد بن عبيد بن أبي الدنيا في كتاب القبور:
باب في معرفة الموتى بزيارة الأحياء:
حدثنا محمد بن عون، حدثنا يحيى بن يمان، عن عبد الله بن سمعان، عن زيد بن أسلم، عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من رجل يزور قبر أخيه ويجلس عنده إلا استأنس به ورد عليه حتى يقوم» حدثنا محمد بن قدامة الجوهري، حدثنا معن بن عيسى القزاز، أخبرنا هشام بن سعد، حدثنا زيد بن أسلم، عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: «إذا مر الرجل بقبر أخيه يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام وعرفه، وإذا مر بقبر لا يعرفه فسلم عليه رد عليه السلام».
وذكر ابن القيم رحمه الله في كلام أبي الدنيا وغيره آثارًا تقتضي سماع الموتى، ومعرفتهم لمن يزورهم، وذكر في ذلك مرائي كثيرة جدًان ثم قال: وهذه المرائي، وإن لم تصلح بمجردها لإثبات مثل ذلك، فهي على كثرتها، وإنها لا يحصيها إلا الله قد تواطأت على هذا المعنى، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «أرى رؤيا كم قد تواطأت على أنها في العشر الأواخر» يعني ليلة القدر فإذا تواطأت رؤيا المؤمنين على شيء، كان كتواطئ روايتهم له، ومما قاله ابن القيم رحمه الله في كلامه الطويل المذكور وقد ثبت في الصحيح: أن الميت يستأنس بالممشيعين لجنازته بعد دفنه، فروى مسلم في صحيحه من حديث عبد الرحمن بن شماسة المهري قال: حضرنا عمرو بن العاص، وهو في سياق الموت، فبكى طويلًا وحول وجهه إلى الجدار الحديث، وفيه: فإذا أنا مت فلا تصحبني نائحة ولا نار، فإذا دفنتموني، فسنُّوا عليّ التراب سنَّا، ثم أقيموا حول قبري قدر ما تنحر الجزور، ويقسم لحمها، حتى استأنس بكم وأنظر ماذا أراجع به رسل ربي فدل على أن الميت يستأنس بالحاضرين عند قبره ويسر بهم. اهـ.
ومعلوم أن هذا الحديث له حكم الرفع، لأن استئناس المقبور بوجود الأحياء عند قبره لا مجال للرأي فيه. ومما قاله ابن القيم في كلامه الطويل المذكور، ويكفي في هذا تسمية المسلم عليها زائرًا، ولولا أنهم يشعرون به لما صح تسميته زائرًا، فإن المزور إن لم يعلم بزيارة من زاره، لم يصح أن يقال: زاره، وهذا هو المعقول من الزيارة عند جميع الأمم.
وكذلك السلام عليهم أيضًا، فإن السلام على من لا يشعر ولا يعلم بالمسلم محال، وقد علم النبي صلى الله عليه وسلم أمته إذا زاروا القبور أن يقولوا: «السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين. نسأل الله لنا ولكم العافية» وهذا السلام، والخطاب، والنداء لموجود يسمع، ويخاطب، ويعقل، ويرد، وإن لم يسمع المسلم الرد.
ومما قاله ابن القيم في كلامه الطويل قوله: وقد ترجم الحافظ أبو محمد عبد الحق الأشبيلي على هذا فقال: ذكر ما جاء أن الموتى يسألون عن الأحياء، ويعرفون أقوالهم وأعمالهم ثم قال: ذكر أبو عمر بن عبد البر من حديث ابن عباس، عن النبي صلى الله عليه وسلم: «ما من رجل يمر قبر اخيه المؤمن كان يعرفه فيسلم عليه إلا عرفه ورد عليه السلام».
ويروى من حديث أبي هريرة مرفوعًا قال: «فإن لم يعرفه وسلم عليه رد عليه السلام» قال ويروى من حديث عائشة رضي الله عنها أنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من رجل يزور قبر أخيه فيجلس عنده إلا استأنس به حتى يقوم» واحتج الحافظ أبو محمد في هذا الباب بما رواه أبو داود في سننه من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما من أحد يسلم علي إلا رد الله علي روحي حتى أرد عليه السلام» ثم ذكر ابن القيم عن عبد الحق وغيره مرائي، وآثارًا في الموضوع ثم قال في كلامه الطويل، ويدل على هذا أيضًا ما جرى عليه عمل الناس قديمًا، وإلى الآن من تلقين الميت في قبره ولولا أنه يسمع ذلك وينتفع به لم يكن فيه فائدة، وكان عبثًا. وقد سئل عنه الإمام أحمد رحمه الله فاستحسنه، واحتج عليه بالعمل.
ويروى فيه حديث ضعيف: ذكر الطبراني في معجمه من حديث أبي أمامة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات أحدكم فسويتم عليه التراب فليقم أحدكم على رأس قبره فيقول: يا فلان بن فلانه» الحديث. وفيه: «اذكر ما خرجت عليه من الدنيا شهادة ألا إله الا الله، وأن محمدًا رسول الله، وأنك رضيت بالله ربًا وبالإسلام دينًا وبمحمد نبيًا، وبالقرآن إمامًا» الحديث. ثم قال ابن القيم رحمه الله: فهذا الحديث وإن لم يثبت فاتصال العمل به في سائر الأمصار والأعصار من غير إنكار كاف في العمل به، وما أجرى الله سبحانه العادة قط، بأن أمة طبقت مشارق الأرض ومغاربها، وهي أكمل الأمم عقولًا، وأوفرها معارف تطبق على مخاطبة من لا يسمع، وتستحسن ذلك لا ينكره منها منكر بل سنة الأول للآخر، ويقتدي فيه الآخر بالأول، فلولا أن الخطاب يسمع لكان ذلك بمنزلة الخطاب للتراب والخشب والحجر والمعدوم، وهذا وإن استحسنه واحد فالعلماء قاطبة على استقباحه واستهجانه.
وقد روى أبو داود في سننه بإسناد لا بأس به أن النبي صلى الله عليه وسلم حضر جنازة رجل فلما دفن قال: «سلوا لأخيكم التثبيت فإنه الآن يسأل» فأخبر أنه يسأل حينئذ، وإذا كان يسأل فإنه يسمع التلقين، وقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أن الميت يسمع قرع نعالهم إذا ولوا مدبرين، ثم ذكر ابن القيم رحمه الله قصة الصعب بن جثامة، وعوف بن مالك، وتنفيذ عوف لوصية الصعب له في المنام بعد موته، وأثنى على عوف بن مالك بالفقه في تنفيذه وصية الصعب بعد موته لما علم صحة ذلك القرائن، وكان في الوصية التي نفذها عوف إعطاء عشرة دنانير ليهودي من تركة الصعب كانت دينًا له عليه، ومات قبل قضائها.
قال ابن القيم: وهذا من فقه عوف بن مالك رضي الله عنه، وكان من الصحابة حيث نفذ وصية الصعب بن جثامة بعد موته، وعلم صحة قوله بالقرائن التي أخبره بها. من أن الدنانير عشرة وهي في القرن، ثم سأل اليهودي فطابق قوله ما في الرؤيا فجزم عوف بصحة الأمر، فأعطى اليهودي الدنانير، وهذا فقه إنما يليق بأفقه الناس وأعلمهم وهم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولعل اكثر المتأخرين ينكر ذلك، ويقول: كيف جاز لعوف أن ينقل الدنانير من تركه صعب، وهي لأيتامه وورثته إلى يهودي بمنام، ثم ذكر ابن القيم رحمه الله تنفيذ خالد وأبي بكر الصديق رضي الله عنهما وصية ثابت بن قيس بن شماس رضي الله عنه بعد موته، وفي وصيته المذكورة قضاء دين عينه لرجل في المنام، وعتق بعض رقيقة، وقد وصف للرجل الذي رآه في منامه الموضع الذي جعل فيه درعه الرجل الذي سرقها، فوجدوا لأمر كما قال، وقصته مشهورة.
وإذا كان وصية الميت بعد موته قد نفذها في بعض الصور أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن ذلك يدل على أنه يدرك ويعقل ويسمع، ثم قال ابن القيم رحمه الله في خاتمة كلامه الطويل: والمقصود جواب السائل وأن الميت إذا عرف مثل هذه الجزئيات وتفاصيلها، فمعرفته بزيارة الحي له وسلامه عليه دعائه له أولى وأحرى. اهـ.
فكلام ابن القيم هذا الطويل الذي ذكرنا بعضه جملة وبعضه تفصيلًا فيه من الأدلة المقنعة ما يكفي في الدلالة على سماع الأموات، وكذلك الكلام الذي نقلنا عن شيخه أبي العباس ابن تيمية رحمهما الله تعالى وفي كلامهما الذي نقلنا عنهما أحاديث صحيحه، وآثار كثيرة، ومرائي متواترة وغير ذلك، ومعلوم أن ما ذكرنا في كلام ابن القيم من تلقين الميت بعد الدفن، أنكره بعض أهل العلم، وقال إنه بدعة، وأنه لا دليل عليه، ونقل ذلك عن الإمام أحمد وأنه لم يعمل به إلا أهل الشام، وقد رأيت ابن القيم رحمه الله استدل له بأدلة: منها: أن الإمام أحمد رحمه الله سئل عنه، فاستحسنه.
واحتج عليه بالعمل. ومنها: أن عمل المسلمين اتصل به في سائر الأمصار والأعصار من غير إنكار. ومنها: أن الميت يسمع قرع نعال الدافنين، إذا ولوا مدبرين، واستدلاله رحمه الله بهذا الحديث الصحيح استدلال قوي جدًا، لأنه اذا كان في ذلك الوقت يسمع قرع النعال، فلأن يسمع الكلام الواضح بالتلقين من أصحاب، النعال أولى وأحرى، واستدلال لذلك بحديث أبي داود «سلوا لأخيكم التثبيت فإنه الآن يسأل» له وجه من النظر، لأنه إذا كان يسمع سؤال السائل فإنه يسمع تلقين الملقن. والله أعلم.
والفرق بين سماعه سؤال الملك وسماعه التلقين من الدافنين محتمل احتمالًا قويًا، وما ذكره بعضهم من أن التلقين بعد الموت لم يفعله إلا أهل الشام، يقال فيه: إنهم هم أول من فعله، ولكن الناس تبعوهم في ذلك كما هو معلوم عند المالكية والشافعية. قال الشيخ الحطاب في كلامه على قول خليل بن إسحاق المالكي في مختصره، وتلقينه الشهادة: وجزم النووي باستحباب التلقين بعد الدفن. وقال الشيخ زروق في شرح الرسالة والإرشاد، وقد سئل عنه أبو بكر بن الطلاع من المالكية، فقال: هو الذي نختاره ونعمل به، وقد روينا فيه حديثًا عن أبي أمامة ليس بالقوي، ولكنه اعتضد بالشواهد، وعمل أهل الشام قديمًا إلى أن قال: وقال في المدخل: ينبغي أن يتفقده بعد انصراف الناس عنه، من كان من أهل الفضل والدين، ويقف عند قبره تلقاء وجهه ويلقنه، لأن الملكين عليهما السلام، إذ ذاك يسألانه وهو يسمع قرع نعال المنصرفين.
وقد روى أبو داود في سننه عن عثمان رضي الله عنه قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: «استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت فإنه الآن يسأل» إلى أن قال: وقد كان سيدي أبو حامد بن البقال، وكان من كبار العلماء والصلحاء، إذا حضر جنازة عزى وليها بعد الدفن، وانصرف مع من ينصرف، فيتوارى هنيهة حتى ينصرف الناس، ثم يأتي إلى القبر، فيذكر الميت بما يجاوب به الملكين عليهما السلام. انتهى محل الغرض من كلام الحطاب. وما ذكره من كلام أبي بكر بن الطلاع المالكي له وجه قوي من النظر، كما سترى إيضاحه إن شاء الله تعالى، ثم قال الحطاب: واستحب التلقين بعد الدفن أيضًا القرطبي والثعالبي وغيرهما، ويظهر من كلام الأبي في أول كتاب الجنائز يعني من صحيح مسلم، وفي حديث عمرو بن العاص في كتاب: الإيمان ميل إليه. انتهى من الحطاب.
وحديث عمرو بن العاص المشار إليه، هو الذي ذكرنا محل الغرض منه في كلام ابن القيم الطويل المتقدم.
قال مسلم في صحيحه: حدثنا محمد بن المثنى العنزي، وأبو معن الرقاشي، وإسحاق بن منصور، كلهم عن أبي عاصم واللفظ لابن المثنى: حدثنا الضحاك، يعني أبا عاصم قال: أخبرنا حيوة بن شريح قال: حدثني يزيد بن أبي حبيب، عن ابن شماسة المهري قال: حضرنا عمرو بن العاص، وهو في سياقه الموت، فبكى طويلًا وحول وجهه إلى الجدار. الحديث، وقد قدمنا محل الغرض منه بلفظ في كلام ابن القيم المذكور، وقدمنا أن حديث عمرو هذ له حكم الرفع، وأنه دليل صحيح على استئناس الميت بوجود الأحياء عند قبره.